إنجيل اليوم (متّى 3/ 13-17)
13 حينَئِذٍ جاءَ يَسوعُ مِنَ الجَليلِ إلى الأردُنّ، إلى يُوحَنَّا لِيَعتَمِدَ على يَدِهِ.
14 وَ كان يُوحَنَّا يُمانِعُهُ قائِلاً: "أنا المُحتاجُ أَن أَعتَمِدَ مِنكَ، وأنتَ تأتي إلَيَّ؟"
15 فأجابَ يَسوعُ و قالَ لَهُ: "دَعني الآنَ، فَهَكَذا يَحسُنُ بِنَا أن نُتِمَّ كُلَّ بِرّ!". حينَئِذٍ تَرَكه يَعتَمِد.
16 ولمَّا اعتَمَدَ يَسوعُ صَعدَ حالاً مِنَ المَاء، وإذا السَّمَاوَاتُ قَدِ انفَتَحَت لَهُ، وَرَأى رُوحَ الله يَنزِلُ مِثلَ حَمامَة، ويَحِلُّ عَلَيه.
17 و إذا صَوتٌ مِنَ السّمَاوَاتِ يَقول: "هذا هُوَ ابني الحبيب الذي بِهِ رَضِيت".
أوَّلاً قراءتي للنصّ
أُعطيَ لنصّ إنجيل هذا اليوم، العنوان التالي "اعتماد يسوع"، حسب متّى الإنجيليّ؛ لهذا النصّ نصوص موازية في (مر 1:9-11؛ لو 21:3-22؛ يو 29:1-34)
الآيتان (14-15)
يتفرّد متّى بذكر تمنّع يوحنّا المعمدان عن تعميد يسوع، وبجواب يسوع المميّز لأسلوب الإنجيليّ، الذي يشدّد فيه على تحقيق نبوءات العهد القديم في شخص يسوع وحياته وتعاليمه وأعمالها كلّها.
الآيتان (16-17)
يمكن التوقّف عند النقطتين التاليتين:
جاء يسوع إلى يوحنّا ليعتمد، ككلّ الشعب، على يده؛ أكبَرَ يوحنّا هذا المجيء، وأعلن أنّه هو المحتاج إلى أن يعتمد من يسوع، وكأنّه يقول له: أنت هو الآتي بمعموديّة جديدة، هي معموديّة الخلاص.
لكنّ يسوع أمهله، قائلاً "دعني الآن"، إذ يحسن بنا، أي بي وبك، "أن نتمّ كلّ برّ"، كلّ ما يعبّر عن إرادة الله في العهد القديم، وهنا، أن أعتمد بمعموديّتك، معموديّة التوبة، تكفيرًا عن خطيئة الإنسان، التي حملتها .
وهكذا نختتم معًا، العهد القديم؛ وما إن اعتمد يسوع على يد يوحنّا المعمدان، حتّى صعد حالاً من الماء، يقول متّى الإنجيليّ، متحضّرًا، بتتميم كلّ برّ، للدخول في العهد الجديد، على مرأى يوحنّا والجمع الحاضر.
بدأ العهد الجديد فعلاً، وبطريقة احتفاليّة، بعد اعتماد يسوع وصعوده من الماء، بثلاث:
بانفتاح السَّماوات له، أي بإعادة العلاقة بين سماء الله وبين أرض الإنسان، به وفيه؛ بنُزول روح الله (الرّوح القدس) وحلوله عليه واستقراره فيه؛ بسماع صوت الله الآب من السّماوات، معرّفاً عن يسوع: "هذا هو ابني الحبيب الذي به رضيت" و بجميع أبناء البشر.
ثانياً "قراءة رعائيّة"
الآيتان (15-16)
وقف يسوع، مع الخطأة، على شاطئ الأردنّ، وطلب من يوحنّا أن يعتمد مثلهم على يده؛ أتراه خاطئًا؟ (راجع يو 8: 46)، بل صار خطيئة (2 قور 5: 21)، وصار لعنة (غل 3: 13)؛ احتجّ يوحنّا ومانع، دلالة على سمّو يسوع بنظره، وعلى سموّ المعموديّة التي سيعطيها للكنيسة؛ وجاء الصوت من السّماوات، يثبت ذلك، قائلاً: هذا هو إبني الحبيب الذي به رضيت!
الآية (15)
عماد يسوع، الذي به أتمّ كلّ برّ، أي مشيئة الله، والذي به دلّ على أنّه مكرّس لله، هو بداية رسالته، بصفته المسيح الآتي؛ أعطت السَّماوات الموافقة الرّسميّة على ذلك، بحلول الرّوح وبصوت الآب؛ عماد يسوع مثال لعمادنا: هو أعلن ابنًا لله في عماده، ونحن نصبح حقـًّا أبناء الله في عمادنا.
الآية (16)
نزول يسوع في الماء يدلّ على موته؛ و صعوده من الماء يدلّ على قيامته؛ الماء الذي يرمز إلى الموت، صار بقوّة الرّوح (تك1: 3) يرمز إلى الحياة، ويدلّ على الخليقة الجديدة؛ انفتحت له السَّماوات، بعد أن كانت مغلقة، وفيه اقتربت السّماء من الأرض (رسل 7: 56).
الآية (17)
نحن هنا أمام حضور ثالوثيّ: الابن في الماء، الرّوح بشكل حمامة، والآب صوت من السَّماء؛ يذكّر قول الآب: "هذا هو ابني الحبيب"، بما جاء في (2 صم 7: 14؛ تك 22: 2؛ أش 42: 1).
جمع متّى ما جاء في هذه النصّوص في شخص يسوع الملك، على مثال داود وعبد يهوه المتألّم؛ وسوف يعود متّى ليتحدّث عن هذا الملك في الفصلين (1و2) من إنجيله، وعن عبده يهوه في (8: 17): أخذ عاهاتنا وحمل أمراضنا، وفي (12: 18-21): لن يماحك، ولن يصيح ...، وكان رضى الله الآب به رضًى دائمًا.
الأب توما مهنّا